الوعي وذاكرة الأمم لوزير الأوقاف
الوعي وذاكرة الأمم أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
لا شك أن عملية بناء الوعي أو إعادة بنائه قضية محورية في حياة المجتمعات والأمم والشعوب ، وخاصة تلك الأمم والشعوب التي تعرضت ذاكرتها لمحاولات المحو والشطب ، أو التغيير ، أو التغييب ، ناهيك عن محاولات الاختطاف ، وحالات الجمود والخمول والكسل التي يمكن أن تصيب الذاكرة الجمعية للمجتمعات .
مع يقيننا أن إعادة تشكيل وعي أمة ليست أمرًا سهلاً ولا يسيرًا ، إنما هي عملية بناء شاقة ، وتحتاج إلى جهود مكثفة ، ودءوبة ، ومضنية ، ولا سيما في أوقات الشدائد والمحن والتحديات الجسام ، شأن تلك المرحلة الراهنة الفارقة في تاريخ منطقتنا ، وفي تاريخ العالم كله ، بل في التاريخ الإنساني المعاصر ، حيث صار الإرهاب والتطرف الفكري صناعة وأدوات غزو واحتلال من نوع جديد ، ووسائل لإفشال الدول ، أو إسقاطها ، أو تركيعها ، أو السيطرة على قرارها ، بل على مقدراتها ومكتسباتها أيًّا كان نوع هذه المقدرات والمكتسبات : اقتصادية أم سياسية أم جغرافية أم ثقافية أم تراثية .
وإننا على يقين دائم لا يداخله ولا يخالجه أي شك في أن أهل الباطل لا يعملون إلا في غياب أهل الحق ، وأن على أهل الحق ألا يكونوا أقل حماسًا لحقهم وقضاياهم التي يؤمنون بها من حماس أهل الباطل ودعاة الهدم والخراب لباطلهم .
وإذا كان من حاولوا السطو على ذاكرة أمتنا قد استخدموا المغالطات الدينية والفكرية والثقافية والتاريخية للاستيلاء على هذه الذاكرة ، فإن واجبنا مسابقة الزمن لكشف هذه المغالطات وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، وبيان أوجه الحق والصواب بالحجة والبرهان من خلال نشر الفكر الوسطي المستنير ، في المجال الدعوي والثقافي والتعليمي والتربوي والإعلامي ، وإحلال مناهج الفهم والتفكير والإبداع والابتكار محل مناهج الحفظ والتلقين والتقليد ، مع اعتبار العمل على خلق حالة من الوعي المستنير واسترداد ذاكرة الأمة التي كانت مختطفة أولوية وواجبًا وطنيًّا على العلماء والمفكرين والمثقفين وقادة الرأي والفكر .
ولا يمكن أن نحصر قضية الوعي في بعدها الديني أو الثقافي فحسب ، فالوعي بالوطن يقتضي العمل على بنائه ورفعة شأنه في جميع المجالات : الاقتصادية ، والفكرية ، والثقافية ، والاجتماعية ، والإنسانية ، وبشتى السبل : بالعمل والإنتاج، بالجد والاجتهاد ، بالدقة والإتقان ، بالتكافل والتراحم ، بالإخلاص للوطن ، والإخلاص في العمل ، بالعلم والفكر ، بالثقافة والإبداع ، بنشر القيم الإيجابية من الصدق، والأمانة ، والوفاء ، والرحمة ، والتسامح ، والتيسير ، والمروءة ، والنظافة ، والنظام، واحترام الكبير ، وإكرام الصغير ، وإنصاف المظلوم ، وإكساب المعدوم ، وإغاثة الملهوف ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، وإماطة الأذى عن الطريق ، والحرص على المنشآت العامة والمال العام ، والترفع عن الدنايا ، والبعد عن سائر القيم السلبية : من الكذب ، والخيانة ، والغدر ، والأذى ، والبطالة ، والكسل ، والفساد ، والإفساد، والتخريب.
إن الوعي بالوطن يقتضي الإحاطة والإلمام بما يحاك له من مؤامرات تستهدف إنهاك الدولة ، وبخطورة الإرهابيين والعملاء والخونة ، والعمل على تخليص الوطن من شرورهم وآثامهم ، كما يقتضي أيضًا إدراك عمليات البناء والتعمير التي تتم على أيدي أبناء الوطن المخلصين.
ومما لا شك فيه أن قضية الوعي بالوطن وبمشروعية الدولة الوطنية ، وضرورة دعم صمودها ، والعمل على رقيها وتقدمها ، أحد أهم المرتكزات لصياغة الشخصية السوية ، وأحد أهم دعائم الولاء والانتماء للوطن والحفاظ على مقدراته وكل ذرة من ثراه الندي .